الخميس، 3 يناير 2019

نص مسرحي مدرسي : محاكمة وسائل التواصل الاجتماعي .





محاكمة وسائل التواصل الاجتماعي
نص مسرحي مدرسي
فكرة و إعداد : عبد الوهاب لمقدمي
مهتم بالبحث في المجال التربوي
جرسيف
موضوع المسرحية :
تدور أطوار المسرحية حول وسائل التواصل الاجتماعي التي ستتعرض لمحاكمة من طرف القضاء ، حيث ستوجَّه إليها تهم خطيرة تتعلق بإفساد شخصية الطفل ، و تخريب الأسرة ، و نشر الفوضى في المجتمع ، و ستقوم هذه الشبكات بالدفاع عن نفسها من خلال عرض الخدمات التي تقدمها للطفل و الأسرة و المجتمع . و هكذا ، ستتم المزاوجة في المسرحية بين إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي و سلبياتها ، حيث سيقف المتفرج أمام حقيقتها كما سيتم عرضها ، ليتخذ في النهاية موقفا معينا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصيات :
ـ الطفل المشتكي المتكلم باسم جماعة الأطفال .
ـ مجموعة من الأطفال بصفتهم مشتكين .
ـ الأسرة بصفتها مشتكية .
ـ المجتمع بصفته مشتك .
ـ القاضي .
ـ المدعي العام ( ممثل النيابة العامة ) .
ـ محامي وسائل التواصل الاجتماعي .
ـ محامي الطفل .
ـ محامي الأسرة .
ـ محامي المجتمع .
ـ الشهود لصالح الطفل : شاهد 1 – شاهد 2 – شاهد 3 .
ـ المتهمون : الفيسبوك .
الوات ساب .
اليوتيوب .
أطوار المسرحية :
يدخل القاضي قاعة المحكمة رفقة قاضيين آخرين و المدعي العام .
يصيح أحد الحراس بصوت مرتفع : محكمة .
يقف الجميع إلى أن يأذن لهم القاضي بالجلوس مشيرا بيده .
يفتتح القاضي الجلسة بالبسملة و يذكر حيثيات القضية ( ملف عدد 12/2017 .. شكاوى موجهة ضد وسائل التواصل الاجتماعي و نخص بالذكر : الفيسبوك و الواتساب و اليوتيوب . أصحاب الشكاوى هم : الأطفال و الأسرة و المجتمع .. )
القاضي : أدخلوا المشتكين .
تتم المناداة بصوت عال من طرف أحد أعوان المحكمة على المشتكين المطالبين بالحق المدني ، و هم اتباعا : الأطفال و يتقدمهم الطفل المتكلم باسمهم ثم الأسرة فالمجتمع .
القاضي : أدخلوا المتهمين .
يقوم أفراد من الشرطة بإحضار المتهمين الثلاثة و هم مقيدون : الفيسبوك ، الواتساب و اليوتيوب .
يقفون أمام القاضي ، فيطلب من الشرطة إزالة القيود من أيديهم قائلا : أزيلوا عنهم القيود .
يصيح الطفل و الأسرة و المجتمع بصوت واحد : هؤلاء هم المجرمون ، هؤلاء هم المجرمون .
يطرق القاضي بالمطرقة قائلا : هدوء ، هدوء .. المرجو الصمت .
القاضي مناديا : المتهم الأول .
يأخذ العون الفيسبوك من يده فيقربه إلى القاضي .
القاضي متوجها بالسؤال إلى الفيسبوك : ما اسمك ؟ تاريخ و مكان ازديادك ؟ عملك ؟ و محل سكناك ؟
الفيسبوك: أنا الفيسبوك ، أسسني مارك زوكربيرغ سنة 2003 للتواصل بينَ طلبة جامعة هارفارد ، بينما الآن أصبحت أجمع العالمَ كلّه ، إنني الأشهر على الإطلاق و الأكثر استخداما . أتيح تناقل و مشاركة الأفكار المكتوبة و المرئية و المسموعة ، كما أوفر إمكانية المحادثة الفورية ، و إرسال الرسائل ، و الكتابة على حائطي كذلك ، و تحديد المواقع .
سيدي القاضي ، لقد أصبحت أتواجد بكل حاسوب و بكل هاتف ذكي ، الجميع أضحى يستخدمني ، الصغير و الكبير ، الذكر و الأنثى ، لقد أصبحت أُبهر الكل ، و الناس على اختلافهم صاروا مأسورين بي ، و لا يمكنهم التخلي عني . فأنا سيد مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق ؛ فحسب آخر الإحصائيات ، فقد جِئْتُ في المقدمة عالميا ، حيث وصل عدد مستخدميَّ بشكل شهري ملياري مستخدم ( 2 مليار ) .
القاضي : ماذا ، وصل إلى ملياريْ مستخدم ؟!
الفيسبوك : أجل ، و كلهم نشطون سيدي القاضي .
القاضي : حسبك حسبك ـ أيها الفيسبوك ـ مكانك .
القاضي مناديا : المتهم الثاني .
يأخذ عون المحكمة " الواتساب " من يده فيقربه إلى القاضي .
القاضي : ما اسمك ؟ تاريخ و مكان ازديادك ؟ عملك و محل سكناك ؟
الواتساب : أنا الواتساب (WhatsApp) تطبيق تراسل فوري ، و متعدد المنصات للهواتف الذكية. اسمي مأخوذ من الكلمة الإنجليزية (what's up) المتداولة في السؤال عن الجديد بين العائلات و الأصدقاء ، و هو إيحاء بطبيعتي الاجتماعية . يمكن بواسطتي إرسال الرسائل المكتوبة و استقبالها ، و إرسال الصور ، و الرسائل الصوتية ، و الفيديو ، و الوسائط المختلفة ، فأنا سهل الاستخدام . تأسست في عام 2009 من قبل الأمريكي بريان أكتونو و الأوكراني جان كوم بالولايات المتحدة الأمريكية .أما عدد مستخدمي ، فقد تجاوز المليار مستخدم شهريا حسب آخر الإحصائيات .
القاضي : كم ؟!
الواتساب : مليار مستخدم ، و كلهم نشطون سيدي القاضي .
القاضي : حسبك حسبك ، مكانك . أحضروا المتهم الثالث .
يأخذ العون " اليوتيوب " من يده فيقربه إلى القاضي .
القاضي : ما اسمك ؟ من أسسك و متى ؟ و ما عملك ؟
اليوتيوب : . أنا اليوتيوب ، ( youtube ) .أسسني في 14 فبراير سنة 2005 ثلاث شباب تشاد هيرلي Chad Hurley و ستيف تشين Steve Chen و جاود كريم Jawed Karim في مدينة كاليفورنيا الأمريكية ، و هم ثلاثة موظفين في شركة PayPal . و أنا واحد من أهمّ المواقع التي تختصّ بتناقل مقاطع الفيديو ، إذ بإمكان كل شخص أن يفتح حساباً علي ، و ينشر من خلالي مقاطع الفيديو التي يريدها ويرغب بها متى شاء ، و يمكن رفع الفيديوهات بدرجات وضوح مختلفة ، و هكذا أوفر متعة الرفاهية و التعلم بين الناس ، و أنا من أكثر المواقع ارتياداً ، حيث أوفر عدداً كبيراً من الفيديوهات و بشكل كبير جداً ، فأنا منصة مناسبة للجميع ، كما أنني صرت مصدراً من مصادر الدخل للعديد من الأفراد الذين يعتمدون في أعمالهم علي ، و قد طغيت على التلفاز ، و حللت محلّه عند العديد من المستخدمين ، فمعظم ما يعرض على التلفاز يتم تحميله مباشرة علي . و قد تجاوزت حاجز المليار مستخدم نشط شهريا حسب آخر الإحصائيات .
القاضي : كم من مستخدم ؟ أعد أعد !
اليوتيوب : أكثر من مليار مستخدم سيدي القاضي .
القاضي لليوتيوب : حسبك حسبك ـ أيها اليوتيوب ـ مكانك .
القاضي : هل أنتم على علم بالتهم الموجهة إليكم ؟
المتهمون ( جماعة و بصوت واحد ) : لا ، لا نعلم شيئا ، نحن أبرياء .
القاضي : إنكم متهمون بتهم خطيرة :
ـ إفساد شخصية الطفل ، و التأثير عليه من جميع النواحي : الصحية و العقلية و الحركية و النفسية و الاجتماعية و الروحية .
ـ تشتيت الأسر ، و التأثير على العلاقات الزوجية ، و الاستقرار الأسري .
ـ خلخلة بنية المجتمع ، و القضاء على الروابط الأسرية ، و نشر الفوضى ، و التسبب في انهيار القيم و الأخلاق الفضلى بين الناس .
يأخذ الفيسبوك المبادرة تلقائيا و يتقدم نحو القاضي ، و يقول نيابة عن الآخرين : سيدي القاضي ، لم نفعل أي شيء ، نحن أبرياء أبرياء !
القاضي :اهدأ ـ أيها الفيسبوك ـ أنت بالضبط ؛ الشكايات ضدك كثيرة و خطيرة ، إنك المتهم الرئيسي في هذه القضية ، و ستنظر المحكمة في أمركم جميعا .
الفيسبوك : المعذرة سيدي القاضي ، نحن أبرياء أبرياء .
القاضي : سوف نرى . هل يؤازكم محام ؟
الفيسبوك متكلما باسم المجموعة : أجل سيدي القاضي يؤازرنا محام .
ينظر القاضي باتجاه هيئة المحامين . يرفع محامي وسائل التواصل الاجتماعي يده ، و يتقدم نحو القاضي ، فيضع ملفا أمامه .
يطلب القاضي من المحامي الرجوع إلى مكانه قائلا : مكانك أستاذ .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : شكرا سيدي القاضي .
القاضي : أحضروا أصحاب الشكاوى .
يقوم أعوان المحكمة بإحضار الأطفال الخمسة ، يتقدمهم الطفل الذي سيتكلم باسمهم ، ثم الأسرة ، فالمجتمع .
يقف الجميع أمام القاضي بانتظام و هدوء .
القاضي : أيها الأطفال ، قولوا ما لديكم .
يخرج طفل من وسط المجموعة ، فيقف أمام القاضي ، و يتكلم باسم الأطفال بصوت حزين و مؤثر قائلا :
سيدي القاضي : نحن الأطفال ـ يشير إلى أصدقائه ـ لقد و لدنا في أسرة سعيدة ، و كنا نحس بالحنان و الأمان و عطف الأبوين في مراحل نمونا الأولى ، و ما إن بدأنا نستخدم هذه المواقع ـ يشير إلى مواقع التواصل الاجتماعي ـ حتى تغيرت أحوالنا ، و ضعفت أبصارنا ، و تحطمت إرادتنا ، و قلّت حركتنا ، وهزلت نتائجنا الدراسية .
سيدي القاضي : لقد توترت أعصابنا ، و ظهرت علينا أعراض خطيرة ، كالكسل و الخمول ، و العنف و الانحراف ، والنرجسية أي الإفراط في حب الذات و الميل إلى الوحدة و الانعزال .
سيدي القاضي : لقد أخذت مواقع التواصل الاجتماعي كل أوقاتنا ، و حرمتنا من كل شيء ، حتى اللعب لم نعد نستمتع به ، فقد أصبحنا مأسورين أمامها و مفتونين بها . و لذلك ـ سيدي القاضي ـ نرجو أن ترحمونا و تصدروا حكمكم العادل بإيقاف هذه المواقع و حظرها ومنعها عنا .
القاضي مخاطبا الأطفال : هل يؤازركم محام ؟
الطفل المتكلم باسم مجموعة الأطفال : أجل ، يؤازرنا محام .
ينظر القاضي باتجاه هيئة المحامين ، فيرفع محامي الأطفال يده ، و يتقدم صوب القاضي ، فيضع ملفا أمامه .
القاضي للمحامي : مكانك أستاذ .
محامي الأطفال : شكرا .
القاضي : سنرى ماذا تقول النيابة العامة بخصوص ما ذكره هؤلاء الأطفال . السيد المدعي العام ممثل النيابة العامة ، تفضل ، قل ما لديك .
المدعي العام : السيد رئيس المحكمة ، السادة القضاة ، السادة المستشارون ، السادة المحامون . اسمحوا لي في البداية أن أؤكد لكم أن الحكم الذي ما طالب به هؤلاء الأطفال في حق هذه الوسائل المعتدية منصف و عادل . فخطورتها واضحة لكل ذي نظر ، فهي مجرمة بامتياز ، إنها السبب الرئيسي في إفساد شخصية الطفل ، و تدمير حياته من جميع الجوانب : النفسية و العقلية و الحركية و الاجتماعية و الدراسية و الصحية و التربوية . فنطلب من سيادتكم منعها ، و حجبها عن أطفالنا و فلذات أكبادنا . و لكم واسع النظر سيدي .
محامي الأطفال يرفع يده مطالبا بالتدخل .
القاضي : محامي الأطفال ، لك الكلمة .
محامي الأطفال : السيد رئيس المحكمة ، السادة القضاة ، السيد المدعي العام ، أيها الحضور الكريم . اسمحوا لي أن أضم صوتي لأصوات هؤلاء الأطفال المتضررين ، و لما تفضل به السيد المدعي العام مشكورا . و سأبسط أمام حضراتكم جانبا من التأثير الخطير الذي تسببه هذه المواقع على فلذات أكبادنا .
سيدي القاضي : إن أخطر تأثير لهذه المواقع على الأطفال هو استخدامها باستمرار ، فيتحصّل الإدمان الذي يحول دون القيام بنشاطات اجتماعية و ذهنية و تربوية مهمّة كالتزاور ، و التركيز في المدرسة ، و المطالعة ، و ممارسة الرياضة ، و اللعب الذي يعتبر من الأنشطة التي تنمي كفاءة الأطفال و تراكم لديهم خبرات من التجربة الشخصية المباشرة . لكن هذه المواقع مع الأسف تحرمهم من كل ذلك ؛ لأنها تحتكر وقتهم ، و تبعدهم عن اللعب و التجارب الأخرى الهامة بالنسبة لنموهم و تطور شخصيتهم .
سيدي القاضي : إن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الإجتماعي يعوّد الدماغ على قلّة التركيز ، و يفقد الأطفال تعلّم التواصل في العالم الحقيقي ؛ فينخفض مستوى استيعابهم . و لا يخفى عليكم كون التواصل عبر الشاشة يعيق تعلّم الدقّة في التواصل الحقيقي كلغة الجسد ، و نبرة الصوت . كذلك ، هذه المواقع تجعل الأطفال أكثر أنانية ؛ لأنّها تخصّص لكلّ واحد صفحته الخاصة به ، وتجعل الكثير منهم سريعي التأثّر بحيث يعتقدون أنّهم محور كلّ شيء ، مما يولّد مشاكل نفسيّة في حياتهم ، و يجعلهم غير قادرين على التعاطف مع الآخرين .
سيدي القاضي : وفقًا لأطبّاء الأطفال ، نجد الكثير منهم يعاني مما يسمّى باكتئاب الفيسبوك ؛ فالإكثار من التسمّر أمام الفيسبوك أو مواقع التواصل الإجتماعي الأخرى ، يصيب الأطفال بالتوتّر و المزاجية ، كما قد يصابون بالاكتئاب عند الاطّلاع على الأمور الجيّدة التي تحدث مع أصدقائهم مقارنةً مع حياتهم العادية ، فيجدون صعوبة كبيرة في الاندماج و التفاعل الإيجابي .
بين يدي دراسة أجريت في جامعة ميشيغان ـ و هي جامعة بحثية أمريكية ـ ملخصها أنّه كلّما استخدم الأطفال الفيسبوك أكثر ، تراجع لديهم الرضا بالنفس و بحياتهم ككلّ .
الأمر إذن خطير كما ترون سيدي القاضي ؛ فإضافة إلى الإدمان و الاكتئاب و الإحساس بالعزلة كما أسلفنا القول ، نجد أغلب الأطفال كذلك يحرمون من نعمة النوم ناهيك عن التوتّر المستمرّ ، و عدم الشعور بالأمان .
سيدي القاضي : إن شبكات التواصل الاجتماعي قادرة بالتدريج و بشكل ضمني أن تغير موقف الطفل و رؤيته للعالم ، و إذا أخذنا بعين الاعتبار الحساسية القوية لخيال الأطفال و تصوراتهم ، فسيصبح من السهل علينا أن نفهم كيف يتأثر الطفل ، فيعيش قلقا روحيا و اضطرابا نفسيا عندما يصبح مدمنا .
و إليكم ـ سيدي القاضي ـ تقارير مفصلة عن دراسات طبية نفسية أجريت على عينات من الأطفال المدمنين على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، قامت بها كبرى الجامعات العالمية ، تبين مدى الاضطراب النفسي و القلق الروحي الذي يعاني منه الأطفال مستخدمي هذه الوسائل .
يقوم محامي الأطفال فيضع بين يدي القاضي ملفا يتضمن نتائج الدراسات المشار إليها .
القاضي لمحامي الأطفال : شكرا ، هل لديك ما تضيفه ؟
محامي الأطفال : نعم ـ سيدي القاضي ـ كذلك ، إن استخدام الطفل لهذه المواقع يقلص بشكل ملفت علاقته بالأسرة ؛ فالطفل بحاجة إلى التفاعل المباشر مع والديه و باقي أفراد أسرته ، يجلسون جميعا ، يتحدثون ، يلعبون معا ، لكن هذه الوسائل تجذب الجميع إليها ، فبدلا من أن ينظر المتجالسون إلى بعضهم البعض ، تجدهم يحملقون في جهاز الكمبيوتر أو هواتفهم الذكية ، كل هذا يؤثر سلبا على تلك العلاقة الحميمية المرجوة التي يحتاجها الطفل في الأسرة .
سيدي القاضي : ثمة مسألة أخرى خطيرة جدا أود أن أشير إليها ، تخص تدني المستوى التعليمي للأطفال ، و ضعف النتائج الدراسية ؛ فبناء على دراسة ميدانية أجريت على ألف تلميذ مدمن على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من مختلف المستويات الدراسية ، و من مدارس مختلفة ، تبين ما يلي :
ـ ضعف النتائج الدراسية المحصل عليها ؛
ـ الميول إلى الانعزالية و الانطوائية ؛
ـ قلة المشاركة في الأنشطة المدرسية ؛
ـ عدم التقيّد بقواعد اللفظ و اللغة ؛
ـ فقدان مهارات الكتابة ؛
ـ النرجسية و الإفراط في حب الذات ؛
ـ عدم الاهتمام بالأنشطة المنزلية ؛
ـ الإهمال الواضح و النسيان ؛
ـ الشرود الدائم و قلة التركيز ؛
ـ الصمت السلبي و قلة الحديث و الكلام في الفصل الدراسي ؛
ـ غياب المبادرة و الدافعية للتعلم ؛
ـ الأنانية المفرطة و إيثار العمل الفردي على العمل الجماعي .
و إليكم سيدي القاضي تقريرا مفصلا عن هذه الدراسة الميدانية .
يتقدم محامي الأطفال نحو القاضي ، فيطرح أمامه النسخة المشار إليها .
القاضي : شكرا محامي الأطفال ، الآن سأعطي الكلمة ،
في هذه اللحظة ، و قبل أن يكمل القاضي كلامه ، يرفع محامي الأطفال يده قائلا : سيدي القاضي سيدي القاضي ، إذا سمحت .
القاضي : ألديك إضافة أخرى ؟
محامي الأطفال : أجل ، قبل ختم مداخلتي ، بقي أن أذكر مسألة أخرى أكثر خطورة .
القاضي : تفضل .
محامي الأطفال : الانحلال و التفسخ الخلقي للعديد من الأطفال ؛ فقد أدى استخدام هذه الوسائل إلى نشر و مشاركة الصور الخليعة و الفيديوهات الخبيثة .. و اسمح لي سيدي القاضي إذا قلت أن هذه المواقع أصبحت وكرا للفساد و الإفساد و قلة الحياء . لقد وجد الأطفال المدمنون أنفسهم ضحية خطة ممنهجة تروم إفساد شخصيتهم و الزج بهم في أتون الميوعة الغريبة عن بيئتهم المحافظة ، و عن دينهم الإسلامي الحنيف المُرغِّب في كل فضيلة و المنفّر من كل رذيلة . لذلك ، أطلب من سيادتكم أن تحجبوا هذه المواقع جميعها عن الأطفال ، فهم اليوم أطفالا و غذا شبابا و بعد غذ كهولا و رجالا ، فهم السر في صلاح الأسرة و المجتمع أو فسادهما . و لمحكمتكم الموقرة واسع النظر .
القاضي متوجها للأطفال : ماذا تقولون بخصوص ما سمعتم ؟
الأطفال : صحيح ، هذا صحيح ، لقد أثرت هذه المواقع علينا ، و أضرت بنا أيما إضرار .
القاضي متوجها للفيسبوك : هل لديك ما تقول ؟
يصرخ الفيسبوك متكلما باسم المواقع الأخرى : نحن أبرياء أبرياء ، لم نفعل شيئا .
يصرخ الواتساب و اليوتيوب : أجل ، أبرياء أبرياء ، الرحمة الرحمة ـ سيدي القاضي ـ لم نفعل شيئا !
القاضي : هدوء .
القاضي متوجها لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : أستاذ ، هل لديك ما تقول بخصوص ما طُرِحَ من اتهامات ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : أجل ـ سيدي القاضي ـ إنني أمام محكمتكم الموقرة أطلب البراءة لهذه المواقع ، فهي بريئة و لم تفعل شيئا ، و المتهم بريء حتى تثبت إدانته .
القاضي مقاطعا : أو ليس كلّ ما تم ذكره إدانة ؟ !
المحامي :لا ـ سيدي القاضي ـ و لدي تعقيب على ما تفضل به السيد المدعي العام ، و زميلي محامي الأطفال .
القاضي : تفضل ، لك الكلمة .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : يتبين جليا مما قيل أن ثمة إجحاف في حق هذه المواقع البريئة ، فلقد بُخِست حقها . صحيح أنها من أكثر الوسائل تأثيرا في الأطفال . و لكن ، لماذا يريدون دائما التشهير بها و تلفيق التهم إليها بهذا الشكل الظالم و المريع ؟ لماذا يعملون دائما على إظهارها و كأنها مجرمة خطيرة ؟
سيدي القاضي : إن تأثير هذه الوسائل على الأطفال في حقيقة الأمر إيجابي و ليس كما طُرح ؛ لأن ذلك يرتبط أساسا بعمر الطفل و شخصيته ، و بعدد الساعات التي يستخدم فيها الطفل هذه المواقع ، و هل يستخدمها بمفرده أم بصحبة الأم أو الأب ، و بمدى اطلاع الأم أو الأب على ما يقوم به الطفل في هذه المواقع و مناقشته ، و بما تقدمه الأسرة و مؤسسات المجتمع من بدائل لهذا الطفل .
سيدي القاضي : إنني أختلف اختلافا جوهريا مع من يذهب إلى كون استخدام هذه الوسائل البريئة ينجم عنه تفسخ في الأخلاق و انحدار في الفضائل ؛ فهذه الشبكات مثلها مثل كل الوسائل الأخرى المتاحة ، يمكن الاستفادة منها فيما هو مفيد إلى أبعد الدرجات ، كما يمكن الانغماس بها فيما هو ضار إلى أبعد الدركات ، فالمشكلة ليست في الوسيلة بل في مستخدمها .
الأطفال : لا ـ سيدي القاضي ـ هذه المواقع مجرمة و خطيرة ، أفسدت حياتنا و ضيّعت طفولتنا . المرجو حجبها عن هواتفنا و حواسيبنا ، فإننا لم نعد نطيقها .
القاضي : هدوء هدوء ، من فضلكم .
القاضي لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل لديك ما تضيفه ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : أجل ، لدي بعض الأسئلة أريد أن أطرحها على هؤلاء الأطفال .
القاضي : تفضل ، قم بطرح الأسئلة .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : اسمحوا لي أيها الأطفال أن أسألكم :
ـ ألم تمكنكم هذه المواقع من التواصل مع الأقارب و الأحباب و الأصدقاء و التلاميذ الآخرين و المدرسين ؟
ـ ألم تمكنكم هذه الشبكات من الاتصال هاتفيّاً ، و إرسال الرسائل النصية و الصور و الفيديوهات مجاناً ؟
ـ ألم تمكنكم من تبادل المعلومات والملفّات الخاصّة ؟
ـ أليست الأخبار التي تزودكم بها حرّة و غير رسمية ، مما يجعلها أكثر صدقية و واقعية ؟
ـ أليست هذه الشبكات مجالا رحبا للتعارف و الصداقة ؟
ـ ألم تساهم في خلق جوّ مثالي يتميّز بوحدة الأفكار و الرغبات غالباً ، و إن اختلفت أعماركم ، و أماكن تواجدكم ، و مستوياتكم الدراسية ؟
ـ ألم تساعدكم على تعرف ثقافات مختلفة و أحداث عديدة ؟
ـ ألم تزودكم بقدر كبير من المعلومات و الأفكار الجديدة ؟
ـ ألم تتعرفوا من خلالها على أنواع مختلفة من الفنون ؟
ـ ألا تقضون بفضلها أوقاتا ممتعة ؟
ـألا ترفه عنكم و تسليكم ؟
ـ ثم ، ألم تعمل على إبعادكم عن التعليم الراتب و التقليدي ، و تفتح لكم الأبواب لتعليم إلكتروني جذاب ، و ممتع ، و أكثر فاعلية ؟
سيدي القاضي : إن لمواقع التواصل الاجتماعي ايجابيات كثيرة لا يسع المجال لعرضها كلها ، و لكنني أود التأكيد مرة أخرى على أنها تقع عرضة للتحامل في كثير من الأحيان ، فينظر إليها من زاوية واحدة و بعين واحدة ، و هذا ظلم في حقها . فالمرجو النظر بعين العدل و الرأفة إليها ، و تمتيعها بالبراءة التي تستحقها .
القاضي متوجها إلى الأطفال : هل لديكم شهود في هذه القضية ؟
الأطفال : نعم سيدي القاضي ، لدينا ثلاثة شهود .
القاضي : أحضروا شهود الأطفال .
يقوم أعوان المحكمة بإدخال الشهود للمثول أمام القاضي الواحد تلو الآخر .
القاضي للشاهدة الأولى : قولي أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
الشاهدة الأولى : أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
القاضي :ما اسمكِ ؟ و ما مستواك الدراسي ؟
الشاهدة الأولى : اسمي سناء ، أدرس بالتاسعة أساسي .
القاضي : قولي ما لديك .
الشاهدة الأولى : سيدي القاضي لقد ضعف بصري بسبب استخدامي لهذا الفيسبوك اللعين ، فلم أعد أرى جيدا ، و قد أثر ذلك على دراستي ، كما أنني أصبحت أحس بحالات اكتئاب ، و أميل إلى العزلة والوحدة ، فلم أعد أطيق أحدا يتكلم معي أو يشاركني عملا في المدرسة أو خارجها .
القاضي متوجها لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل لديك ما تقول ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : نعم سيدي القاضي ، لدي بعض الأسئلة أريد أن اطرحها على هذه الشاهدة .
القاضي : تفضل .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي متوجها للشاهدة : كم من ساعة في اليوم تستخدمين فيها الفيسبوك ؟
القاضي : أجيبي .
الشاهدةالأولى : أستخدمه في كل وقت و حين ، فهاتفي الذكي لا يفارقني ، و عندما أبتعد عن الفيسبوك و لو قليلا بسبب طارئ ، أحس بأن شيئا ما ينقصني ، فأظل مضطربة حتى أفتح صفحتي على الفيسبوك .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : إذن أنت مدمنة على استخدام الفيسبوك ؟
الشاهدة الأولى : لا أعرف ماذا تقصد بكلمة مدمنة ، كل ما أعرفه هو أن الفيسبوك أصبح رفيقي و عالمي الخاص ، إنه حياتي .
القاضي : هل لديك إضافة .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل والداك على علم بما وصل إليه تعلقك بهذا الفيسبوك .
الشاهدة الأولى : ( تضحك ) هههههه ، أبي هو الذي اشترى لي الهاتف الذكي ، و هو لا يعود إلى البيت إلا متأخرا . أما أمي ، فلا تتكلم معي بتاتا ، إنها تحبني .
القاضي لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل من سؤال آخر ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : لا ، سيدي القاضي .
القاضي للشاهد الثاني : قل ، أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
الشاهد الثاني : أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
القاضي : ما اسمك ، و ما مستواك الدراسي ؟
الشاهد الثاني : اسمي كمال ، ادرس بالمستوى السادس ابتدائي .
القاضي : تفضل قل ما لديك .
الشاهد الثاني : إن هذه الوسائل اللعينة قد أثرت على نتائجي الدراسية ، فقد أصبحت أحصل على نقط ضعيفة ، و لا اهتم بدراستي ، ففي القسم أعيش في غالب الأحيان في شرود دائم ، أتذكر فقط ما أنشره و أشاركه مع أصدقائي على صفحات الفيسبوك أو موقع الواتساب . و هكذا أجد نفسي في غالب الأحيان شاردا أفكر فيما سأقدمه لأصدقائي و منشغلا بتعليقات أصدقائي و منشوراتهم . أما الواجبات الدراسية المنزلية ، فقد أصبحت حملا ثقيلا لا أطيقه ، لقد أخذ الفيسبوك و الواتساب كل وقتي و دمرا حياتي الدراسية .
القاضي متوجها لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل لديك ما تقول ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : نعم سيدي القاضي ، لدي بعض الأسئلة أريد أن اطرحها على هذا الشاهد .
القاضي : تفضل .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : ما وسائل التواصل التي تستخدمها ؟
الشاهد الثاني : إنني مهووس بالواتساب و الفيسبوك و اليوتيوب .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : كم من ساعة تستخدم فيها هذه الوسائل خلال اليوم ؟
القاضي : أجب .
الشاهد : لا أعرف ، مدة طويلة في اليوم .
المحامي : إلى متى بالتحديد ؟
الشاهد : إلى وقت متأخر من الليل ، فهاتفي الذكي لا يكاد يفارقني ، لقد أصبح جزءا لا يتجزأ من كياني ، و عندما أهم بإنجاز تماريني و واجباتي الدراسية ، لا أقدر لا أقدر .
المحامي : تحس بالإرهاق ، أليس كذلك ؟
الشاهد الثالث : نعم ، و كثير من الإعياء يصيبني ، فتضعف قواي العقلية .
القاضي : هل لديك ما تضيفه ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : أجل ، هل والداك يراقبان ما تقوم به على هذه الشبكات ؟
الشاهد الثاني : ( يضحك ) ههههههه ، من يراقب من ؟ هما أيضا قد أصابتهما حمّى وسائل التواصل الاجتماعي ، فحسب علمي ، أبي لديه حساب على الفيسبوك ، يأتى من عمله فيغلق عليه باب غرفته إلى و قت متأخر من الليل ، لم نعد نراه إلا قليلا ، فقط خلال وجبات الطعام . أما أمي ، فهاتفها الذكي لا يكاد يفارقها ، لقد أصبحت مهووسة بالواتساب .
القاضي لمحامي التواصل الاجتماعي : هل من سؤال آخر ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : لا ، سيدي القاضي .
القاضي للشاهد الثالث : قل أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
الشاهد الثالث :أقسم بالله العظيم أن أقول الحق .
القاضي للشاهد الثالث :ما اسمك و ما مستواك الدراسي ؟
الشاهد الثالث : اسمي علاء ، أدرس بالمستوى السابعة أساسي .
القاضي : تكلم ، قل ما لديك .
الشاهد الثالث : إنني أكثر من مشاهدة الفيديوهات على موقع اليوتيوب ، و قد أدى بي ذلك إلى الانحراف ، و التغيب عن المدرسة ، و مرافقة أصدقاء السوء ، كما أن سلوكياتي أصبحت عنيفة و مثيرة .
القاضي : هل اليوتيوب هو الذي سبب لك كل هاته المشاكل ؟
الشاهد الثالث : بكل تأكيد .
القاضي لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : لديك تدخل ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : نعم ، و لدي بعض الأسئلة أريد أن اطرحها على هذا الشاهد .
القاضي : تفضل .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل لديك أب و أم ؟
الشاهد الثالث : أجل .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : متى يعود أبوك إلى البيت ؟
الشاهد الثالث : منذ صغري و أنا أرى أبي يرجع إلى البيت متأخرا ، وعادة ما يجدني نائما .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : و أمك ؟
الشاهد الثالث : أمي ، تخرج من البيت كل يوم ، عندما أرجع من المدرسة أجدها عند الجيران ، فهي لا تجلس في البيت ، لذلك غالبا ما أجد نفسي في البيت لوحدي ، أفتح جهاز الحاسوب الذي اشتراه لي أبي ، لقد جعلته رفيقا لي.
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : متى يتم ربط جهاز الحاسوب بشبكة الإنترنيت في بيتكم ؟
الشاهد ضاحكا : ههههه ، الربط دائم ، فجهاز " الويفي " يبقى مشغلا طوال اليوم بالليل و النهار لا ينطفئ .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل تشاهد أفلام العنف و الرعب ؟
الشاهد الثالث : أشاهد كل شيء بلا تمييز : أفلام الخوف و العنف و الرعب و القتل ... فلا أحد يراقبني أو يختار لي ما ينبغي أن أشاهده و ما لا ينبغي . لقد حرمت من حنان الأبوين و عطفهما ، لذلك و وجدت بغيتي في هذه المواقع و في الشارع مع رفقاء السوء، و إنني أحس بآلام الظهر بسبب كثرة جلوسي أمام الحاسوب . لقد فتنني هذا الموقع و دمر حياتي .
القاضي لمحامي وسائل التواصل الاجتماعي : لديك إضافة ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : لا ، سيدي القاضي .
القاضي للشاهد الثالث : بما أن هذا اليوتيوب دمر حياتك كما تقول ، لماذا لا تتخلى عنه ؟
الشاهد الثالث للقاضي : كيف أتخلى عنه ؟ لقد ملكني ، فأجد نفسي دوما أسيرا أمامه ، أو إن شئت القول ، كالميت بين يدي غاسله .
القاضي : حسبك حسبك .
القاضي مشيرا للشهود : عودوا إلى أماكنكم .
القاضي للأطفال : هل تابعتم ما قاله الشهود ؟
الأطفال : نعم سيدي القاضي ، و لذلك نطلب منكم حجب هذه المواقع و حظرها .
القاضي لمواقع التواصل الاجتماعي : و أنتم ما قولكم ؟
مواقع التواصل الاجتماعي : أبرياء سيدي القاضي ، أبرياء .
القاضي مخاطبا الأسرة : أيتها الأسرة ، أنت أيضا جئت مشتكية .
الأسرة : أجل ، سيدي القاضي
القاضي : قولي ما لديك .
الأسرة : سيدي القاضي ، أنا الأسرة ، لقد كنت هادئة مستقرة ، كان أفرادي من أم و أب و جدة و جد و أخوات و إخوة ، يعيشون في حب و وئام و سعادة و استقرار ، لكن ، ما إن ظهرت هذه الوسائل الخطيرة حتى تغيرت أحوالي ، فأصبحت قلقة مضطربة ، لا وقت لدى أفرادي ، الكل منشغل و مهووس ، لقد غاب الكلام ، غاب الإنصات ، غاب الحوار ، و في جملة سيدي القاضي ، غاب التواصل الحقيقي الواقعي ، و حل محله التواصل الافتراضي المغشوش .
القاضي : السيد محامي الأسرة ، لديك تدخل ؟
المحامي: أجل .
القاضي : تفضل .
المحامي : شكرا لكم سيدي القاضي .
إنني أؤكد في تدخلي على ما قالت به الأسرة مشكورة ، فهذه المواقع جعلت أغلب الأسر بكماء عمياء صماء ، لا كلام و لا إنصات و لا تناظر ، الكل منشغل بحاسوبه المحمول أو بهاتفه الذكي ، فقد أصبح هذا الأخير مثل السّبحة في يد الكثير من الأزواج و الأبناء .
سيدي القاضي : كثير من الأزواج يصابون بأمراض نفسية خطيرة بسبب الإدمان على استخدام هذه الوسائل : النرجسية و هي الحب المفرط للذات ، الميل الدائم إلى العزلة و الوحدة ، الكسل و الخمول ، و العيش في أوهام عوالم افتراضية لا تمت إلى الواقع بأية صلة .
إذا سمحتم ـ سيدي القاضي ـ سأحيط محكمتكم الموقرة بما خلصت إليه دراسات علمية مختلفة بخصوص التأثير السلبي لشبكات التواصل الاجتماعي على الحياة الزوجية للكثير من المستخدمين . حيث قال مستشار العلاقات الزوجية الاسترالي كريستين نورتمن :" التكنولوجيا الحديثة توفر لنا أدوات رائعة ، و لكن عندما يصبح استخدامها مفرطا فأنه يمكن أن يؤثر بالفعل على العلاقات الزوجية ". و هذا ما يحدث على أرض الواقع ـ سيدي القاضي ـ فوضعية العلاقات الزوجية أصبحت خطيرة للغاية ! و الفيسبوك صار يشكل السبب الرئيسي لتفكك العديد من الأسر . زد على ذلك مسألة نفسية أخرى خطيرة ، و هي الغيرة ، نعم الغيرة ، فقد خلصت دراسات نفسية عديدة أن ثمة علاقة كبيرة بين مدة استخدام الفيسبوك و مشاعر الغيرة التي تنشأ في العلاقات الزوجية . فالشبكات الاجتماعية قد تخلق حلقات من ردود الفعل السلبية ، سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة .
سيدي القاضي : لقد تطور الأمر إلى درجة كبيرة ، و استفحل المشكل ، و كثرت حالات الطلاق ، و تمزقت العديد من الأسر ، و ضاع الأطفال ، و تخرب المجتمع .
إليكم ـ سيدي القاضي ـ تقارير مفصلة عن أهم الدراسات العلمية و النفسية التي خلصت إلى التأثير السلبي لهذه المواقع على الاستقرار الأسري .
يتقدم محامي الأسرة ، فيعطي للقاضي الملف المشار إليه .
القاضي : شكرا ، أستاذ .
القاضي متوجها بالسؤال لمحامي مواقع التواصل الاجتماعي : لديك تدخل ؟
محامي مواقع التواصل الاجتماعي : أكيد ـ سيدي القاضي ـ لدي بعض الأسئلة أريد أن أطرحها على الأسرة إذا سمحتم .
القاضي : تفضل ، قم بطرح ما لديك من أسئلة .
المحامي : أيتها الأسرة ، اسمحي لي أن أطرح عليك بعض الأسئلة :
ـ ألم تمكن هذه المواقع أفرادك من التواصل مع أشخاص يشبهونهم ؟
ـ أليس جمال مواقع التواصل الاجتماعي في كونها تساعد الفرد على العثور على أشخاص يشبهونه ، مثلا تسمح لمرضى السكري بالالتقاء بمرضى مثلهم في مجموعات مخصصة ، و هكذا يعمل المرضى على دعم وتشجيع ومساعدة بعضهم البعض في الأوقات الصعبة عن طريق هذه المواقع ؟
ـ ألا تشبع مواقع التواصل الاجتماعي حاجتكم الأساسية للانتماء لعائلة ما أو منطقة ما أو مجموعة ما ، فسماع أخبار العائلة والأصدقاء يجعلكم تشعرون بأنكم مهمين ومحبوبين ؟
ـ ألم تساعدكم هذه المواقع على توسيع دائرة علاقاتكم وانجاز جميع مهماتكم وحل جميع قضاياكم الأسرية خلال ثوان ؟
ـ أليس بإمكانكم ـ مع ظهور الهواتف الذكية ـ الحصول على أكبر عدد ممكن من المعلومات دون الحاجة إلى النهوض من السرير ؟
ـ ألا تمكنكم هذه المواقع من التواصل مع الطبيب مثلا ،عندما يصعب عليكم زيارته بشكل شخصي ؟
ـ أليس استخدامكم لمواقع التواصل الاجتماعي في التواصل مع الخبراء و الأطباء و أخصائيي التغذية وعلماء النفس والمعالجين قد ساعدكم على تغيير واقعكم ؟
ـ أليس استخدامكم لمواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الأشخاص الذين يرغبون في فقدان الوزن مثلا ، يمنحكم الدافعية لتبني عادات جديدة ومشاعر جديدة وسلوكيات جديدة ؟
ـ ألم تقض مواقع التواصل الاجتماعي على واقع الرتابة الذي ما فتئتم تعانون منه ، بحيث فتحت لأفرادكم عوالم جديدة ، و أبوابا عديدة ، و أوقاتا فريدة للحديث و الترفيه و التسلية و اللهو مع أصدقاء متنوعين و مختلفين من مناطق شتى من العالم ؟
سيدي القاضي : إن غرضي من طرح هذه الأسئلة ليس الحصول على إجابات محددة من طرف الأسرة ، و لكن أريد فقط أن أبين لحضراتكم أن مواقع التواصل الأجتماعي ليست بتلك الخطورة التي طرحت . لماذا ـ سيدي القاضي ـ ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس بدل أن ننظر إلى الجزء المملوء منه ؟
محامي الأسرة مقاطعا : سيدي القاضي ، إن كل ما ذكرته من خطورة هذه المواقع على الأسرة لم يكن من عنديتي ، بل خلاصات لدراسات علمية و نفسية و اجتماعية قامت بها كبرى الجامعات العالمية ، و نشرت على صفحات مجلات متخصصة و ذائعة الصيت .
يرفع المدعي العام يده طالبا الإذن للكلام .
القاضي للمدعي العام : تفضل .
المدعي العام : أيها السادة ، اسمحوا لي إن قلت لكم أنني لا أحبذ الدخول في حوار ثنائي مع الأستاذ محامي وسائل التواصل الاجتماعي ، لكن أريد بدوري أن أطرح بعض الأسئلة لعلها تجلي بعض الغموض عن هذه المسألة .
القاضي : تفضل السيد المدعي العام .
المدعي العام :أيها السادة .
ـ ألم يؤد التواصل الالكتروني إلى قتل التواصل المباشر ؟ الفيسبوك مثلا يأخذ مساحة واسعة من حياة الأسرة ، بحيث يصعب عليها القيام بنشاطات تواصلية حركية غير صامتة ، فمع مرور فترة من الوقت ، يبدأ الفرد في الأسرة يشعر بالرهبة من التحدث إلى الناس بشكل شخصي . أليس كذلك يا سادة ؟
ـ ألم تؤد هذه المواقع إلى التقليل من إنتاجية الأفراد داخل الأسرة ؟ فهي تحفز الفرد على انجاز أكثر من مهمة في نفس الوقت ، و بالتالي فإنها تضعف انتباهه و تقلل من إنتاجيته ، علما أن دماغ الإنسان لا يستطيع التركيز في أمرين في نفس الوقت ، لذا يتشتت الدماغ عند القيام بذلك ، بسبب الانتقال من مهمة إلى مهمة أخرى بسرعة كبيرة .
ـ ألا تؤدي هذه المواقع إلى إنهاك الدماغ عند استخدام الانترنت بشكل دائم مما يؤدي إلى زيادة كمية المعلومات في الدماغ ، و بالتالي إرهاقه ؟
ـ أليس من المفيد أن تجد الأسرة الوقت لتتواصل مع نفسها و مع محيطها بدل التواصل الدائم و الافتراضي مع عشرات الأصدقاء ، و ربما المئات ؟
سيدي القاضي : أعتقد أن المشكلة خطيرة جدا ، لذلك أطلب منكم أن تحكموا بحجب هذه المواقع و حظرها بالمرة .
الأسرة : نعم سيدي القاضي ، نرجو منك حظرها و منعها عنا .
القاضي للمدعي العام : هل لديك ما تضيفه ؟
المدعي العام : لا ، سيدي القاضي .
القاضي لمحامي الأسرة : هل لديك إضافة ؟
المحامي : لا ، سيدي القاضي .
القاضي : أنت المجتمع ، أليس كذلك ؟
المجتمع : بلى ، أنا المجتمع .
القاضي : ما مشكلتك ، قل ما لديك .
المجتمع : سيدي القاضي ، أنا المجتمع ، لقد كنت أعيش في هدوء و سعادة ، و ما إن أصبحت مكوناتي المجتمعية تتعاطى هذه المواقع ، و تدمن على هذه الشبكات ، حتى تغير كل شيء ، و انقلبت الأمور رأسا على عقب ، فالهدوء أصبح فوضى ، و السعادة أضحت شقاوة .
سيدي القاضي : لقد سَرَتْ في كياني ظواهر غريبة ، فقد تفشت الخلافات الزوجية ، و تفككت الأسر ، و كثرت حالات الطلاق . أغلب أسري باتت تعاني من مشاكل خطيرة بسبب هذه المواقع اللعينة . ناهيك عن الصراعات بين مكوناتي ، و الإشاعات ، و مظاهر الانحلال الخلقي التي نخرت قواي . لقد دُمّرت حياتي الاجتماعية .
القاضي متوجها لمواقع التواصل الاجتماعي : ماذا تقولون ؟
الفيسبوك : يأخذ الكلمة قائلا : نحن أبرياء ـ سيدي القاضي . لم نفعل أي شيء أبرياء أبرياء .
القاضي : هدوء هدوء . السيد المدعي العام ، هل لديك تدخل ؟
المدعي العام : أجل سيدي القاضي .
القاضي : تفضل ، لك الكلمة .
سيدي القاضي : بدوري أضم صوتي إلى صوت المجتمع ، و أطالب بحجب هذه المواقع و منعها ، فهي بلا شك سبب الويلات التي حلت بالمجتمع .
القاضي : الويلات ، كيف ذلك ؟.
المدعي العام : إنها تقوم بنشر الأفكار الهدّامة ، و التجمعات المخالفة للقيم والقانون ؛ فهذه الشبكات منبر مفتوح لكافّة الناس بدون رقيب أو حسيب ، و ليس هناك أي معايير للكلام أو الكتابة ، أجل ـ سيدي القاضي ـ و يمكن استهداف أيّ شريحة اجتماعية في عقائدهم و قناعاتهم ، كما أنه أصبح من السهل الإساءة إلى مقدّسات الآخرين و عرض بعض البرامج و الأفلام التي تضرب القيم الاجتماعية في الصميم ، و الترويج لمعتقدات منحرفة تشوّه صورة الإنسان و تحرفه عن جادّة الطريق .

سيدي القاضي : لا يخفى على أحد ما تقوم به هذه المواقع من عرض للموادّ الإباحية والصور الفاضحة المخلة بالحياء ، مما يؤدي إلى التفسخ و الانحلال ، و تشويه الفطرة الإنسانية ، و خدش حياء المرأة و غيرة الرجل ، و هذا يترك آثاره في الأسرة و الشباب و الشابّات ، و يتسبّب بمشاكل عائلية و زوجية تؤدّي في معظمها إلى الطلاق ، و تدمر الأسرة ، و بالتالي تدمر المجتمع الواقف أمامكم .
كذلك ـ سيدي القاضي ـ تقوم بالتشهير و نشر الشائعات ؛ فهذه الشبكات أصبحت ساحة مفتوحة غير خاضعة للتدقيق أو التحقيق في الرواية ، والتي يطَّلِع عليها مئات الملايين من البشر ، بحيث يمكن اختلاق الأكاذيب و بثّ الافتراءات للحطّ من أيّ شخصية أو تناول أيّ جهة بعينها ، و مضايقة الناس في بيوتها . ناهيك عن التحايل والتزوير، إذ بعد دخول الكثير من البرامج التي تمكّن المرء من اللعب بأصوات الآخرين ، و إدخال صوت مكان آخر ، و صورة إلى جانب أخرى ، أو اقتطاع كلام و توظيفه ، أو اللعب بأوراق الصحف و ادعاء نشرها لبعض الأخبار ، و سوى ذلك من الألاعيب التي لا تعدّ و لا تحصى من أساليب التحايل و تزوير الحقائق و توظيفها خدمة لأهداف رخيصة و أجندات معينة ، أضف إلى ذلك انتهاك الحقوق الخاصّة و العامّة ، فلا سريّة لحياة شخصية ، و لا حرمة لإنسان في المجتمع ، و كيف يمكن للمرء أن يُحافظ على حقوقه الخاصّة و العامّة و هو يضعها أمام ملايين البشر و لا يدري الصالح منهم من الطالح ، و المحسن من المسيء ، فلا حياة خاصّة لأحد ، و لا حقوق مصونة لأحد ، و هذه المسألة تكفي لكي يبقى المرء في حالة من القلق و الاضطراب ، ممّا يؤثّر في سلوكه و أخلاقه و دوره في الحياة الاجتماعية .
أضف إلى ذلك ـ سيدي القاضي ـ انتحال الشخصيّات ؛ فيمكن للفرد أن ينتحل الشخصية التي يريد واصفاً نفسه بأجمل الصفات و يبني لنفسه كمّاً من الصداقات و المعارف و الأحباب بناءً على شخصية وهمية مفترضة ، و قد أكّدت الدراسات النفسية أنّ هذا الإنسان قد يُصاب بالإحباط عندما يرى النجاح الكبير على شبكات التواصل الاجتماعي ، ثمّ يُصدَم بالواقع الاجتماعي المرير الذي يُعطيه له حجمه الطبيعيّ ، بل قد يؤدّي به ذلك إلى الانهيار ، بل أكثر من ذلك فإنّ انتحال الشخصية أدّى بالبعض إلى الانتحار !
أيها السادة : ألا ترون معي كيف أن الأمر خطير للغاية ؟! المجتمع أصبح بلا شك في كف عفريت .
القاضي : هل لديك ما تضيفه ؟
المدعي العام : لا ، سيدي القاضي .
القاضي سائلا محامي وسائل التواصل الاجتماعي : هل لديكَ تدخل ؟
المحامي : بالطبع ، سيدي القاضي .
القاضي : تفضل أستاذ ، لك الكلمة .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : شكرا .
أيها السادة الأفاضل ، اسمحوا لي بداية أن أعبر عن مدى استغرابي لما طرحه السيد المدعي العام في معرض مرافعته بخصوص تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع . فمن السهولة بمكان إطلاق الكلام على عواهنه ، و إصدار الاتهامات المجانية ، و إنني أرى حقيقة أن ثمة إجحاف في حق هذه الوسائل البريئة ، فمميزاتها لا يمكن أن تقصى و أفضالها على المجتمع لا يمكن أن تنسى .
القاضي : تكلم ، ادخل في صلب الموضوع من فضلك .
المحامي : عفوا ، سيدي القاضي ،
أولا : هذه الوسائل لا تحدّها حواجز جغرافية ، و لا حدود دولية ، بحيث يستطيع الشخص في الشرق التواصل مع الشخص في الغرب بسهولة و بساطة و سرعة.
ثانيا : تعطي حيزا مهما للتعبير والمشاركة الفاعلة من المشاهد و القارئ .
ثالثا : تتنوع استعمالاتها ، فمثلا يمكن التواصل في هذه البيئة الافتراضية من أجل الأمور العلمية و الاقتصادية و الإخبارية و الطبية و الترفيهية وغيرها .
ثالثا : هذه البرامج سهلة الاستخدام و لا تحتاج لأي جهد يذكر ، و يمكن تعلمها بسرعة و بساطة .
رابعا : توفر المال و تقتصد الجهد و الوقت ، فنستطيع من خلال خدمات شبكات التواصل الاجتماعي توفير المال و الجهد و الوقت ، حيث أنها تعرض علينا إرسال رسائل نصية و مكالمات صوتية أو مرئية و كل ذلك بالمجان .
أيها السادة : إن الفوائد الاجتماعية لهذه المواقع عديدة ، لا تغيب عن كل منصف و عادل ، فبفضلها أمكن التواصل مع الأقارب و الأصدقاء و الطلاب و المدرسين و غيرهم .
سيدي القاضي : لقد أصبح من ضروريات الحياة اليومية استخدام و مواكبة التكنولوجيا الحديثة و المعاصرة ، فجيل اليوم أصبح ميّالا لاستخدام العالم الافتراضي و شبكات التواصل الاجتماعية أكثر من نشاطه على أرض الواقع ، لذلك أصبح التعليم الالكتروني ضروريا و ليس اختياريا ، فالطلبة و التلاميذ اليوم لم يعودوا يحبون التعليم التقليدي ، و لكن إذا تم دمج التعليم و شبكات التواصل الاجتماعي معا ، فهذا قد يعطي نتائج أعلى بكثير ، و يزيد من فرص مشاركة التلاميذ و الطلبة مع مدرسيهم ، و يساهم في تنويع البيئة التعليمية و تحقيق التعلم بطريقة ممتعة .
من جهة اجتماعية أخرى ـ سيدي القاضي ـ أصبح اليومَ أقصرُ طريق للوصول إلى الشباب بشكل خاص و للناس بشكل عام هو شبكات التواصل الاجتماعي ؛ فقد أُضيفَ معيار جديد لتقييم عمل الدوائر الحكومية ، ألا وهو مدى تواصلها مع الجمهور عبر هذه الشبكات ، فلذلك تسعى الدوائر الحكومية لمواكبة التكنولوجيا والتطوير من طرق تواصلها ، وبذلك تقلل من المصاريف و الوقت و الجهد و تحسن سهولة وصول المستخدمين لخدماتها .
كذلك ، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي اليوم من المصادر الأولى ، بل المصدر الأول للأخبار ، يكتبها الفرد بصيغة حرة بدون شروط ، و لا حاجة لكتابتها بصيغة دعائية أو صيغة أخرى رسمية و غيرها ، و هذه الوسائل تقوم بالتأثير الإيجابي على الرأي العام بشكل قوي جدا ، بحيث تحول الجميع إلى "صحفيين" إن صح التعبير .
محامي المجتمع مقاطعا : لماذا لا يكون التأثير سلبيا ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : لا تقاطعني ، أرجوك .
القاضي : دعه يكمل كلامه ، لا تقاطعه من فضلك .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : سيدي القاضي ، لقد باتت شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للدعوة الإسلامية ، فكم من واحد عرف حقيقة دين الإسلام بفضل هذه الوسائل ، بل كم من واحد دخل في دين الإسلام بسببها ؟
القاضي : محامي المجتمع ، هل لديك تدخل ؟
محامي المجتمع : أجل ، سيدي القاضي .
القاضي : تفضل ، لك الكلمة .
محامي المجتمع : شكرا . أيها السادة ، بين يدي نتائج إحدى الدراسات التي أجريت مؤخراً ، و قد قدّرت أن الشخص العادي ينظر في هاتفه الذكي أكثر من 150 مرة طوال اليوم ، و هذا مؤشر على حالة الإدمان ، و من هذه النقطة بالذات أريد أن اسأل ، ماذا عن الإدمان ؟ ألا يسبب للمستخدم أمراضا نفسية ، كالقلق ، و عدم الاستقرار ، و الحيرة ، و العصبية و غيرها ، ألا تبني له عادات و معتقدات غريبة عن مجتمعنا المغربي و الإسلامي ؟ ألا ترى أيها المحامي المحترم أن المستخدم عندما يعتاد التحدث مع أصدقائه عن طريق إحدى هذه الشبكات ، و تتعطل هذه الشبكة أو تتوقف لفترة معينة ، أو أن أًصدقاءه لا يستطيعون التواصل معه ، ألا يفقد في تلك الحالة تركيزه ، و يبقى قلقًا إلى أن يعود الوضع كما كان عليه ؟ هنا يكمن الخطر أيها الزميل المحترم ، لأن المستخدم ربما يبقى ساعات على هذه الحال ، و قد يكون عليه القيام بكثير من المهمات التي يجب أن يقوم بها ، و لكنه بسبب تعطل الخدمة لا يستطيع أن يهدأ له بال ، و بالتالي يضيع الوقت هباء منثورا ، بدلا من استغلاله .
ثم ، أليس تزايد استخدام الشبكات الاجتماعية قد قلل من الحاجة إلى التعامل مع الناس على أرض الواقع ، مما أفقد المستخدمين الكثير من مهارات التواصل مع أفراد المجتمع من حولهم ، القريبين إليهم ؟
ألا تؤدي هذه الوسائل إلى التحريض على الغير ، فعندما يعارض شخص شخصا آخر من الناحية الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية و غيرها ؛ أفليس من الممكن أن يؤدي ذلك إلى خلافات و نزاعات بين الأشخاص على أرض الواقع ، و ربما يتسع النطاق ، فيصبح على صعيد العائلات ، و قد يؤدي إلى التهديد و القتل ؟
و لماذا تغافلت عن مسألة تورط هذه الوسائل في نشر الفساد و زرع القيم الهدامة ؛ ألا يوجد أناس يريدون نشر القيم الفاسدة و الأفكار الخاطئة و غيرها ؟
لماذا تناسيت المشاكل الزوجية ؛ أليس العديد من الأزواج أصبح لديهم حساب على شبكات التواصل الاجتماعي ، و بالتالي قد يؤدي بهم ذلك إلى محادثات لا ضرورة لها ، و قد يتطور ذلك لأمور تهدد الحياة الزوجية ، و تأثر على استقرار الأسرة و المجتمع ؟
يطلب محامي وسائل التواصل الاجتماعي الكلمة من القاضي رافعا يده .
القاضي : تفضل محامي وسائل التواصل الاجتماعي ، لك الكلمة .
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : شكرا ، أيها السادة ، إنه لمن الظلم الشديد أن ننكر أشياء مهمة تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي لصالح المجتمع ، و التركيز فقط على بعض النقائص و الثغرات . و بدوري أسأل : ألم تمكن وسائل التواصل الاجتماعي من :
ـ التواصل مع العالم الخارجي و تبادل الآراء و الأفكار و معرفة ثقافات الشعوب و تقريب المسافات .
ـ ممارسة العديد من الأنشطة التي تساعد على التقرب و التواصل مع الآخرين .
ـ فتح أبواب تمكن من إطلاق الإبداعات و المشاريع التي تحقق الأهداف و تساعد المجتمع على النمو .
ـ تسهيل العديد من النشاطات و الأعمال و تيسيرها في مجالات اجتماعية مختلفة كالصحة و التعليم و الاندماج الاجتماعي .
ـ المساهمة في التغيير الفكري و الاجتماعي و السياسي بما يخدم المواطنة الصالحة .
يرفع المدعي العام يده مطالبا بالتدخل .
القاضي : السيد المدعي العام ، تريد التدخل ؟
المدعي العام :أجل .
القاضي : تفضل .
المدعي العام : سيدي القاضي ، يظهر أن الأستاذ محامي وسائل التواصل الاجتماعي بدفاعه هذا ، إنما يريد تغطية الشمس بالغربال ـ كما يقال ـ و أريد أن أكرر أمام محكمتكم الموقرة نقطة مهمة ، و هي أن هذه الشبكات قد أفسدت المجتمع إفسادا ، و خربته تخريبا ، فلم يعد ذلك المجتمع المتعاطف الذي عهدناه ، بتماسك أسره ، و تعاون مؤسساته ، و تفاعل أفراده و تعاونهم . إننا اليوم قد أصبحنا أمام مجتمع هش و هجين و مريض ، منخورة أسسه ، ضائعة قيمه ، تائهة بوصلته . كل ذلك بسبب انتشار هذه المواقع و الإدمان على استخدامها . و في جملة أقول : إن هذه المواقع أضحت تشكل مصدر تهديد لأمن واستقرار المجتمع . لذلك نجدد طلبنا إليكم ، بحظر هذه المواقع و الشبكات ، و منعها عن الطفل و الأسرة و المجتمع جميعا ، فشرها يغلب خيرها .
يرفع محامي وسائل التواصل الاجتماعي يده .
القاضي : محامي وسائل التواصل الاجتماعي ربما تريد التدخل ؟
محامي وسائل التواصل الاجتماعي : أجل ـ سيدي القاضي ـ شكرا لكم .
القاضي : تفضل ، قل ما لديك .
أيها السادة ، اسمحوا لي أن أؤكد مرة أخرى أن وسائل التواصل الاجتماعي بريئة ، و لم ترتكب أي جرم إطلاقا ، فهي سلاح ذو حدين ، يمكن استخدامها في الخير ، كما يمكن استخدامها في الشر ، فالمسؤولية تقع بالأساس على عاتق المستخدم الذي يجب أن يتعامل مع هذه الوسائل بطريقة واعية ، بحيث يستطيع الحصول على الإيجابيات العديدة التي تقدمها له التكنولوجيا الحديثة .
أيها السادة : أيُعقل أن أحدا باستطاعته إيقاف هذا السيل الجارف من الشبكات ؟ مستحيل ، مستحيل . أتعرفون أن ثمة أزيد من 500 شبكة تواصل اجتماعي توجد عبر العالم ؟ لقد تغير العالم تغيرا جذريا منذ أن ظهر الإنترنيت ، أو منذ أن ظهرت الأقمار الاصطناعية ، أو لنقل منذ أن ظهر الكهرباء بالأحرى .
سيدي القاضي : كل اختراع في هذا العالم إلا و فيه إيجابيات و سلبيات ، و الذي يطلب وقف هذه الاختراعات التكنولوجية و منعها ، فإنما يطلب إيقاف العقل عن التفكير و الابتكار و الاختراع و الاكتشاف ، و عوض أن نفكر في منع ما لا يمكن منعه ، و إيقاف ما لا يستطاع إيقافه ، و بدل التويُّل و التحسُّر ، كان من الأجدى لنا و الأليق أن نفكر سويا و نبحث عن جوانب الخير الذي تزخر به هذه المواقع ، و كيفية الاستخدام الأمثل لها ، و طرق تجنيب الأطفال و الشباب و كل المستخدمين مهما كانت فئاتهم العمرية من السقوط في براثن الفتنة .
أيها السادة : لقد استقالت الأسرة من مسؤوليتها ، و فشل المجتمع في القيام بأدواره ، فلم يعودا يقومان بواجبهما التربوي و الأخلاقي ؛ مما جعل الأطفال عرضة للانحراف و الضياع ، فكثير من الآباء يظنون أن الاعتناء بالطفل إنما يكون بتوفير الملبس و المأكل و المشرب و المسكن ، و يجهلون الأمر المهم ؛ ألا و هو الأساس التربوي . فعلا ، فهو الأساس لتنشئة جيل صالح تساهم في إعداده الأسرة و المدرسة المسجد و و وسائل الإعلام و دور الشباب و مؤسسات التنشئة الاجتماعية جميعها . و متى سادت لغة الحوار لغة والتفاهم ، و تكرست ثقافة الإنصات بين أفراد الأسرة، و تم الاحتضان العاطفي للأبناء ، قلّ بشكل كبير تأثير المحيط الخارجي عليهم ، كيفما كان هذا المحيط ، و مهما تصورنا خطورته .
و إنه لمن المجحف حقا أن ندعو إلى حرمان الأطفال من وسائل التواصل الاجتماعي ، و بالتالي نقيد حرية الطفل في التعبير عن آرائه وأفكاره و رغباته ، لكن بالمقابل أصدقكم القول ، إنني مع ضرورة أن تقوم المدرسة ببرامجها و مناهجها و أطرها التربوية بالتعبئة العامة للتوعية الدائمة بكيفية التعامل مع مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ، و تحصين الأطفال و الشباب فكريا و تربويا و اجتماعيا ، و إتاحة للأطفال ما يصطلح عليه " بالاستخدام المراقَب " لهذه الشبكات ، هذا ، دون أن ننسى دور المساجد و وسائل الإعلام و مؤسسات التنشئة الاجتماعية . الكل ـ أيها السادة ـ يجب أن ينخرط في التعبئة الشاملة و التوعية المستدامة . و إنني من أمام منبركم الموقر سيدي القاضي ، أدعو كل غيور صادق إلى الانخراط في هذه الورش التربوي الكبير للحفاظ على أطفالنا من الضياع و الانحراف ، و أسرنا من التمزق و الشتات ، و مجتمعنا من الضعف و الوهن .
و أخيرا سيدي القاضي ، فإنني متيقن من عدالة حكمكم ، لذلك اطلب البراءة لهذه الشبكات من التهم المرسلة الباطلة الموجهة إليها ، و إطلاق سراحها فورا ، و لمحكمتكم الموقرة واسع النظر .
القاضي : شكرا ، أستاذ .
في هذه الأثناء يرفع محامي الطفل يده مطالبا التدخل ، و كذلك يفعل محامي الأسرة و محامي المجتمع ، كل واحد منهم يقول : سيدي القاضي من فضلك أريد كلمة ، اسمح لي بالرد .
القاضي : لا . انتهت المداخلات ، شكرا للجميع . رُفعت الجلسة للمداولة .
يقف القاضي .
يرفع عون المحكمة صوته قائلا : محكمة .
يقف الجميع بوقوف القاضي و هيئة المحكمة .
انتهى النص المسرحي .

ليست هناك تعليقات: